الشاي بالحليب وعلم الإحصاء

كان من عادة بعض أساتذة الجامعة الإنجليز أن يجتمعوا في لقاء ودي لتناول الشاي بصحبة زوجاتهم. وفي أحد أيام الصيف، وأثناء هذا اللقاء، أبدت إحدى السيدات الحاضرات، وهي العالِمة المتخصصة في الطحالب Muriel Bristol، ملاحظة غير مألوفة؛ إذ قالت إن مذاق الشاي يختلف إذا صُب فوق الحليب، عن مذاقه عندما يُصب الحليب فوقه.

في البداية، أثارت هذه الملاحظة سخرية الحاضرين وضحكهم، إذ كيف يختلف المذاق ما دام التركيب الكيميائي في الحالتين واحدًا!

لكن أحد الأساتذة الحاضرين، وهو الإحصائي الشهير رونالد فيشر (Ronald Fisher)، رفض التسرع في إنكار الملاحظة، وأصر على اختبارها علميًّا قبل إصدار أي حكم.

فبادر بتصميم تجربة بسيطة، قدم فيها للسيدة ثمانية أكواب من الشاي، أربعة منها صُب فيها الشاي فوق الحليب، والأربعة الأخرى صُب فيها الحليب فوق الشاي، دون أن تعرف السيدة طريقة تحضير كل كوب. ثم طلب منها أن تُميز بين الأكواب، وأن تُصنفها بحسب طريقة التحضير.

وبالفعل، نجحت السيدة في التمييز بدقة بين الأكواب، وهو ما ألهم فيشر لإجراء مزيد من الأبحاث حول منهجية التصميم التجريبي، وقاده ذلك لاحقًا إلى تأليف كتابه الشهير عام 1935 عن تصميم التجارب العلمية، حيث أورد فيه هذه القصة، التي أصبحت فيما بعد إحدى القصص الرمزية في تاريخ الإحصاء، وعُرفت باسم “The Lady Tasting Tea”.

وقد ذكر هذه القصة لاحقًا أحد علماء الإحصاء المعاصرين ديفيد سالسبورغ ، في كتاب ممتع يحمل نفس العنوان، سرد فيه مجموعة من القصص والتجارب التي أوضحت كيف نشأ علم الإحصاء وتطور عبر القرن العشرين.